معنى راديكالي
يعود أصل مصطلح الراديكالية إلى الكلمة الفرنسية “راديكال” التي تعني الجذر أو الأساس.
في مجال الاصطلاح، تشير الراديكالية إلى المنهج الذي تتبعه بعض الأحزاب السياسية بنهج شامل في إصلاحاتها لتغيير المجتمعات من جذورها. تعنى بتحقيق التغييرات الكبيرة في مختلف الجوانب كالسياسة، الاقتصاد، الفكر، الاجتماع، والنظم الدستورية، وتستهدف تحولًا عميقًا ينقل المجتمع من حالة الجمود والتخلف إلى التقدم والتطور.
كما يرتبط معنى الراديكالية بالتطرف في بعض الأحيان، حيث يطلق هذا المصطلح على الجماعات أو الحركات التي تعتمد منهجًا متشددًا في تطبيق مبادئها وأسسها.
تاريخ مصطلح الراديكالية
الراديكالية هي مصطلح يختلف تعريفه وتفسيره مع تقدم الزمن.
في القرن الثامن عشر
لأول مرة، استُعملت الكلمة الدالة على الميل إلى التغيير العميق في السياق السياسي في إنجلترا خلال عام 1797. حيث قدم تشارلز جيمس فوكس، إعلانًا يدعو فيه إلى تحويل شامل وعميق يشمل توسيع نطاق حق الانتخاب بما يصل إلى السماح بالاقتراع العام للذكور.
في القرن التاسع عشر
بعد إصدار قانون الإصلاح البرلماني في إنجلترا عام 1832، الذي شمل أفراداً من الطبقة الوسطى في عملية الاقتراع، برزت مطالبات بأن تشمل العملية الانتخابية الطبقات الأوسع. هذه المطالبات كانت من رواد الحركة الإصلاحية الذين ارتبطوا بالحزب الليبرالي، الناشئ من فصيل الويج في البرلمان. في عام 1867، تم توسيع نطاق الاقتراع مما أعطى الراديكاليين فرصة لتنظيم الناخبين في عدة مدن كبرى مثل لندن وبرمنجهام. هذه الحركة كسبت دعماً قوياً من النقابات العمالية حتى أصبح الكثير من أعضاء هذه النقابات يعتبرون من الراديكاليين المتطرفين خلال الفترة من 1874 إلى 1892.
في الولايات المتحدة، شهدت الفترة التالية للحرب الأهلية بين عامي 1861 و1865 استخداماً مكثفاً للمصطلح الراديكالي، خاصة ضمن أقوى فصائل الحزب الجمهوري. هذه الفصائل ركزت على إعادة تأسيس النظام بعد الحرب ودعمت الحقوق الاجتماعية والسياسية للعبيد السابقين، وكان لها موقف قوي ضد عودة السلطة إلى أيدي الكونفيدراليين السابقين.
هذا النهج الراديكالي أدى إلى عزل الرئيس أندرو جونسون، الذي عارض سياسات إعادة الإعمار التي كان يدعمها الراديكاليون. مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية حقبة الحرب الباردة، شهدت الراديكالية السياسية موجة من المقترحات الداعمة لإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية كبرى. ضمن هذه الفترة، ظهرت حركات غير اشتراكية مثل فرسان العمل وحزب العمال الأخضر والحزب الشيوعي، التي دعت إلى إصلاحات هامة وإرساء ديمقراطية سياسية أكثر شمولاً.
في القرن العشرين
خلال الفترة ما بين 1914 و1918، أثرت الحرب العالمية الأولى بشكل ملحوظ على الأحزاب الاشتراكية والجماعات الراديكالية الأخرى. وفي العام 1919، تأثرت هذه الجماعات بظهور ما يسمى بـ”الرعب الأحمر” الذي كان يهدف إلى مواجهة الحزب الشيوعي الجديد، الذي نشأ بفكرة مشابهة للأيديولوجية الراديكالية للحزب الاشتراكي.
بدأ الحزب الشيوعي في تحقيق تقدم في تعزيز حقوق ووضع الطبقة العاملة وسعى إلى ترسيخ الأفكار الاشتراكية. أثناء فترة الكساد العظيم، استطاع الحزب تحقيق إنجازات عديدة من خلال النضال من أجل تنظيم النقابات، مكافحة العنصرية والسامية، والدفع نحو إجراء إصلاحات اجتماعية.
في عام 1935، اجتمع الشيوعيون والليبراليون في مؤتمر المنظمات الصناعية (CIO) بهدف تأسيس نقابات صناعية، وانضمت إليهم جماعات راديكالية أخرى للعمل معا في مقاومة العنصرية.
خلال الثلاثينات، استجابت القوى الليبرالية والراديكالية والشيوعية معا وهذا التحالف تلقى استجابات قوية وعنيفة من المحافظين وبعض جماعات الأعمال، مما أدى إلى تأسيس لجنة الأنشطة غير الأمريكية في مجلس النواب الأمريكي في العام 1938.
طرحت اللجنة سياسات تعكس الأفكار المحافظة وأدت إلى تحديد العلاقات الأمريكية في مواجهة الصفقة الجديدة مع التوجهات الشيوعية السوفيتية.
فترة الخمسينات
خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين، شهدت الحركة الحقوقية المدنية تطوراً كبيراً من خلال ظهور الاحتجاجات الشعبية على نطاق واسع. وفي نفس الوقت، تمكنت أطراف تمثل التيارات الراديكالية والليبرالية من تشكيل تحالفات جديدة، مما أسهم في تعزيز مسار الحركة نحو تحقيق أهدافها.
فترة الستينات
في الستينيات، نبتت بذور ما يعرف بـ”اليسار الجديد” من رحم حركتي الحقوق المدنية والثقافية، إخترع هذا المصطلح سي رايت ميلز، وهو عالم اجتماع معارض. هذا الفكر كان يعزز الديمقراطية النشطة والتشاركية لتغيير بنية المجتمع نحو أفضل عبر الثورات الاجتماعية أو تبني استراتيجيات مثل تلك التي نادى بها تيموثي ليري الذي شجع على الخلق والتشغيل والانفصال عما هو قائم.
في عام 1963، شهد العالم نشر كتاب “الغموض الأنثوي” بقلم بيتي فرايدان، الذي طالب بإنهاء التمييز ضد المرأة في مجالات العمل ودعا إلى إعادة تحديد دور المرأة في المجتمع. هذا المطلب لقي صدى واسعًا عند نساء كثيرات مثل شولاميث فايرستون ومنظمات مثل Red Stockings، حيث جمعت الجهود بين الكاتبات النسائية الراديكالية والليبرالية للنضال من أجل الحقوق الإنجابية، العمل الإيجابي، وتحقيق المساواة والعدالة بين الجنسين.
الراديكالية الاجتماعية
خلال ستينيات القرن الماضي، ساهمت الراديكالية الاجتماعية في إنشاء حركة ذات بُعد استهلاكي وبيئي قوي. كان رالف نادر واحدًا من الشخصيات البارزة في هذه الفترة، حيث قاد وشجع جيلاً من النشطاء والمحامين والباحثين الذين عملوا جاهدين لكشف الممارسات التي تتبعها الشركات والتي تعد انتهاكاً للقوانين.
في الثمانينيات، انتقلت الريادة السياسية نحو التوجهات المحافظة. رغم هذا التحول، نشأ تحالف بين الراديكاليين والليبراليين الذي كان له أثر بالغ في تعليق عمليات تطوير الطاقة النووية مرة أخرى، مطالبين بوقف الانتشار النووي. كما دافع هذا التحالف بقوة عن حقوق الأقليات والنساء في مختلف المجالات، وتصدوا لمشروع “حرب النجوم” الذي اقترحه الرئيس رونالد ريجان.